فصل: البلاغة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.البلاغة:

في قوله: {كانا يأكلان الطعام} كناية عن أنهما، صلوات اللّه عليهما، بشر، لأن أكل الطعام يستتبعه الهضم والنفض، فاكتفى بذكر أكل الطعام عن كل هذا تهذيبا وتصوّنا، وهذا من غريب الكنايات في اللغة العربية. وقد قدمنا عن الكناية كثيرا، ولابد هنا من لفت النظر إلى أن الكناية- حيث وردت- يتعاورها جانبا حقيقة ومجاز، وجاز حملها عليهما معا، كقوله تعالى: {أو لامستم النساء} فإنه يجوز حمل الكناية على الحقيقة والمجاز، وكلّ منهما يصح به المعنى، ولا تختل العبارة، فمن حمل على الحقيقة كالشافعي اعتبر أن اللمس هو مصافحة الجسد للجسد، فأوجب الوضوء، وتلك هي الحقيقة في اللمس، ومن حمل على المجاز كأبي حنيفة اعتبر أن اللمس هو الجماع فذلك هو المجاز. وسيرد معنى المزيد من الكناية وطرائفها في هذا الكتاب.
2- التكرير في قوله: {انظر} أولا، ثم قال: {ثم انظر} ثانيا. وفي ذلك دليل على الاهتمام بالنظر والتدبر، وإن اختلفت النظرتان، فالأولى متعلقة بكيفية إيضاح اللّه لخلقه الآيات، والثانية متعلقة بانصرافهم عنها، وصدوفهم عن التأمل في مراميها وأهدافها.

.[سورة المائدة: الآيات 76- 77]

{قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعًا وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (76) قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلا تَتَّبِعُوا أَهْواءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ (77)}.

.اللغة:

{لا تَغْلُوا}: لا تتجاوزوا الحدّ، والغلاء هو الارتفاع. قال الحارث بن حلزة اليشكري في معلقته:
أو منعتم ما تسألون فمن حدّ ** ثتموه له علينا الغلاء

«الأهواء»: جمع هوى، وهو ما تدعو اليه شهوة النفس، قال أبو عبيدة: «لم نجد الهوى يوضع إلا موضع الشرّ، لأنه لا يقال: فلان يهوى، إلا أنه يقال: يحب الخير». والهاء مع الواو إذا كانتا فاء للكلمة وعينا لها دلتا على معنى السقوط والانحدار إلى جانب، يقال: هوى من الجبل، وهوت الدلو من البئر هويّا بفتح الهاء، وطاح في المهواة والهاوية، وهي ما بين الجبلين، وتهاووا فيها: تساقطوا، وهذه هوة عميقة، {وأمه هاوية} وجلست عنده هويا، أي: مليا، ومضى هوي من الليل، و{استهوته الشياطين}. ومن المجاز قولهم للجبان: إنه الهواء، أي: خالي القلب من الجرأة، وقد تشبث شوقي بهذه الطرافة اللغوية فقال:
فاتقوا اللّه في قلوب العذارى ** فالعذارى قلوبهنّ هواء

ويقال: رجل أهوج: شجاع يرمي نفسه في المهالك والمتالف، وناقة هوجاء كأن بها هوجا، لسرعتها لا تتعهد موضع المناسم من الأرض، وريح هو جاء ورياح هوج، وهاد الرجل وتهوّد وهودّ ابنه جعله يهوديا، وهوّر البناء فتهوّر أي: تهدّم، إلى آخر هذه المادة.
وهذا كله من خصائص لغتنا الشريفة.

.الإعراب:

{قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعًا} كلام مستأنف مسوق لأمر النبي صلى اللّه عليه وسلم بتبكيتهم وإلزامهم بالحجة. وقل فعل أمر، والهمزة حرف استفهام توبيخي تعجبيّ، وجملة أتعبدون في محل نصب مقول القول، ومن دون اللّه متعلقان بمحذوف حال، وما اسم موصول في محل نصب مفعول به واختار بعضهم أن تكون نكرة موصوفة، وجملة لا يملك صلة على الأول لا محل لها أو في محل نصب صفة، ولعل هذا أولى. ولكم متعلقان بيملك، وضرا مفعول به ليملك، ولا نفعا عطف على {ضرا} {وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} الواو حالية، والرابط بين الحال وصاحبها هو الواو، ومجيء الحال بعد هذا الكلام مناسب لمقتضى الحال، واللّه مبتدأ، وهو ضمير فصل لا محل له، أو ضمير منفصل في محل رفع مبتدأ، والسميع العليم خبران ل {اللّه} أو ل {هو}، وقد تقدمت نظائره {قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ} جملة القول استئنافية، وما بعدها في محل نصب مقول القول، ولا ناهية، وتغلوا فعل مضارع مجزوم بلا، وفي دينكم متعلقان بتغلوا، وغير الحق صفة لمفعول مطلق، أي: غلوا غير الحق، ويصح كونه حالا من ضمير الفاعل، وهو الواو، أي: مجاوزين الحق، وقيل: إن النصب على الاستثناء المتصل، وقيل: على المنقطع {وَلا تَتَّبِعُوا أَهْواءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا} الواو عاطفة، ولا ناهية، تتبعوا فعل مضارع مجزوم ب {لا} وأهواء مفعول به، وقوم مضاف اليه، وجملة قد ضلوا صفة لقوم، ومن قبل جار ومجرور متعلقان بضلوا، وبنيت قبل على الضم لانقطاع الظرف عن الإضافة لفظا لا معنى، وأضلوا عطف على قد ضلوا، وكثيرا مفعول به {وَضَلُّوا عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ} عطف على ما تقدم.

.[سورة المائدة: الآيات 78- 79]

{لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى لِسانِ داوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ (78) كانُوا لا يَتَناهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ ما كانُوا يَفْعَلُونَ (79)}.

.الإعراب:

{لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى لِسانِ داوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ} الكلام مستأنف، ولعن فعل ماض مبني للمجهول، والذين نائب فاعل، وجملة كفروا صلة الموصول، ومن بني إسرائيل جار ومجرور متعلقان بمحذوف حال، وعلى لسان متعلقان بلعن، وفي إفراد اللسان بحث شيق سيأتي في باب الفوائد، وداود مضاف إليه، وعيسى عطف على داود، وابن بدل أو نعت، ومريم مضاف اليه {ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ} اسم الإشارة مبتدأ، وبما جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر، وما مصدرية مؤولة مع ما بعدها بمصدر، أي: بسبب عصيانهم، والجملة استئنافية، ويجوز في «ما» أن تكون موصولة، وعلى كل حال جملة عصوا لا محل لها من الإعراب، وجملة كانوا عطف على عصوا، منتظمة في حكمها، والواو اسم كان، وجملة يعتدون خبرها {كانُوا لا يَتَناهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ} الجملة لا محل لها لأنها مفسرة للمعصية والاعتداء، وكان واسمها، وجملة لا يتناهون خبرها، وعن منكر متعلقان بيتناهون، وجملة فعلوه صفة لمنكر.
{لَبِئْسَ ما كانُوا يَفْعَلُونَ} اللام جواب قسم محذوف، وبئس فعل ماض جامد لإنشاء الذم، وما نكرة تامة في محل نصب تمييز، أو موصولة فهي في محل رفع فاعل، أي: الذي فعلوه، وجملة كانوا صفة لما، أو لا محل لها لأنها صلة الموصول، وجملة يفعلون في محل نصب خبر كانوا.

.البلاغة:

انطوى توبيخ اليهود على الإخبار بأمرين غاية في القبح والسماجة، أولهما: ما كانوا يجترحونه من المناكر، والثاني صدوفهم عن التناهي عن هذه المناكر، وعدم الجنوح إليها في المستقبل، وقد دل على ذلك قوله تعالى: {فعلوه}، فلولا ذكرها لتوهّم متوهم أن النهي عن المنكر عند استحقاق النهي عنه والإشراف على تعاطيه، فانتظم ذكرها الأمرين معا بوجه بليغ وأسلوب رفيع، هو الذروة في البلاغة. وليس المراد بالتناهي أن ينهى كل واحد منهم الآخر عما يجترحه من المنكر، كما هو المتبادر والمشهور لصيغة التفاعل، بل المراد مجرد صدور النهي عن أشخاص متعددة، من غير اعتبار أن يكون كل واحد ناهيا ومنهيّا، فكان الإخلال بالتناهي بعد الأمر به معصية.

.الفوائد:

القاعدة تقول: إن كل جزأين مفردين من صاحبيهما إذا أضيفا إلى كليهما من غير تفريق جاز فيهما ثلاثة أوجه:
1- لفظ الجمع تقول: قطعت رؤوس الكبشين.
2- لفظ التثنية تقول: قطعت رأسي الكبشين.
3- لفظ الإفراد تقول: قطعت رأس الكبشين.
وقوله في الآية على لسان داود وعيسى بالإفراد دون التثنية والجمع.

.[سورة المائدة: الآيات 80- 81]

{تَرى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ ما قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذابِ هُمْ خالِدُونَ (80) وَلَوْ كانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِياءَ وَلكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فاسِقُونَ (81)}.

.الإعراب:

{تَرى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا} كلام مستأنف مسوق لمخاطبة النبي بشأن بني إسرائيل الذين يوالون الكفار من أهل مكة.
وترى فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر تقديره أنت، وكثيرا مفعول به، ومنهم جار ومجرور متعلقان بمحذوف صفة ل {كثيرا}، وجملة يتولون في محل نصب على الحال، لأن الرؤية هنا بصرية، والذين مفعول به، وجملة كفروا صلة الموصول {لَبِئْسَ ما قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ} اللام واقعة في جواب قسم محذوف، وبئس فعل ماض جامد لإنشاء الذم، وفاعله مضمر فسرته كلمة «ما» و«ما» نكرة تامة في محل نصب على التمييز، ويجوز أن تكون «ما» موصولة في محل رفع فاعل، وجملة الذم لا محل لها لأنها جواب القسم، وجملة قدمت صفة على الأول، وصلة على الثاني. ولهم متعلقان بقدمت، وأنفسهم فاعل، وأن سخط: أن وما في حيزها في تأويل مصدر مبتدأ مؤخر، خبره جملة القسم، كأنه قيل: بئس زادهم في الآخرة سخط اللّه عليهم. وقال بعضهم: ليس المصدر هو المخصوص بالذم، لأن نفس السخط المضاف إلى البارئ عزّ وجلّ لا يقال فيه هو المخصوص بالذم، وإنما هو سبب السخط، وعلى هذا أعربوه خبرا لمبتدأ محذوف {وَفِي الْعَذابِ هُمْ خالِدُونَ} الواو عاطفة، وفي العذاب متعلقان ب {خالدون}، وهم مبتدأ، وخالدون خبر {وَلَوْ كانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِ} الواو استئنافية، ولو شرطية، وكان واسمها، وجملة يؤمنون خبرها، وباللّه متعلقان بيؤمنون، والنبي عطف على اللّه، وما أنزل اليه عطف أيضا {مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِياءَ وَلكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فاسِقُونَ} الجملة لا محل لها لأنها جواب شرط غير جازم، وأولياء مفعول اتخذ الثاني، ولكن واسمها وخبرها.

.[سورة المائدة: آية 82]

{لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَداوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى ذلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبانًا وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ (82)}.

.اللغة:

(قِسِّيسِينَ): جمع قسّيس، بكسر القاف وتشديد السين، المكسورة، بمعنى القسّ بفتح القاف وتشديد السين، وهو من كان بين الأسقف والشمّاس، وهو أيضا الكاهن، ويجمع على قسوس، والقسّيس يجمع أيضا على قسّان، بضم القاف، وأقسّة وقساوسة، قال الفرّاء: هو مثل مهالبة، كثرت السينات فأبدلوا إحداهن واوا.
وقال الراغب: قسيسين جمع قسيس، على فعيّل، وهو مثال مبالغة كصدّيق، وهو هنا رئيس النصارى وعالمهم. وأصله من تقسّس الشيء إذا اتبعه وتطلّبه بالليل، يقال تقسّست أصواتهم أي: تتبّعتها بالليل. وقال غيره: القسّ بفتح القاف: تتبّع الشيء، ومنه سمي عالم النصارى قسيسا لتتبعه العلم، ويقال: قسّ الأثر وقصّه بالصاد أيضا، ويقال: قس وقس بفتح القاف وكسرها وقسيس. فأما قسّ بن ساعدة الإيادي بضم القاف فهو علم، ويجوز أن يكون ما غيّر عن طريق العلمية، ويكون أصله قس أو قس بفتح القاف وكسرها، وكان أعلم أهل زمانه.
(رُهْبانًا) يكون واحدا وجمعا، فأما إذا كان جمعا فإن واحدهم يكون راهبا، ويكون الراهب حينئذ فاعلا من قول القائل: رهب اللّه فلان بمعنى خافه يرهبه رهبا بفتحتين ورهبا بفتح الراء وسكون الهاء، ومن الدليل على أنه قد يكون عند العرب جمعا قول كثير عزّة:
رهبان مدين والذين عهدتهم ** يبكون من حذر العذاب قعودا

لو يسمعون كما سمعت كلامها ** خرّوا لعزّة ركّعا وسجودا

وقد يكون الرهبان واحدا، وإذا كان واحدا كان جمعه رهابين، مثل قربان وقرابين، ويجوز جمعه أيضا على رهابنة إذا كان كذلك. ومن الدليل على انه قد يكون عند العرب جمعا قول الراجز:
لو عاينت رهبان دير في القلل **لانحدر الرهبان يمشي ونزل

.الإعراب:

{لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَداوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا} كلام مستأنف مسوق لتصنيف أهل الكتاب بالنسبة إلى مودة المؤمنين، وتكرير قبائح اليهود، ولين عريكة النصارى، وسهولة انصياعهم للحق. واللام جواب لقسم محذوف، وتجدن فعل مضارع مبني على الفتح والجملة لا محل لها لأنها جواب للقسم، وأشد الناس مفعول أول لتجد، وعداوة تمييز، وللذين متعلقان بأشد، واليهود مفعول به ثان ويجوز العكس، والذين عطف على اليهود وجملة أشركوا صلة.
{وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى} الواو عاطفة، والجملة معطوفة على ما تقدم، وقد تقدم إعرابها، وجملة إنا نصارى في محل نصب مقول القول {ذلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبانًا} الجملة مستأنفة مبينة، واسم الاشارة مبتدأ، والباء حرف جر، وأن وما في حيزها في تأويل مصدر مجرور بالباء، والجار والمجرور متعلقان بمحذوف خبر ذلك، ومنهم متعلقان بمحذوف خبر أن المقدم، وقسيسين اسم أن، ورهبانا عطف على قسيسين {وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ} عطف على {بأن منهم}، وجملة لا يستكبرون خبر أن.

.[سورة المائدة: الآيات 83- 84]

{وَإِذا سَمِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ (83) وَما لَنا لا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَما جاءَنا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنا رَبُّنا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ (84)}.

.الإعراب:

{وَإِذا سَمِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ} الواو استئنافية، ويجوز أن تكون عاطفة، فتكون الجملة معطوفة على قوله: {لا يستكبرون}، وإذا ظرف مستقبل متضمن معنى الشرط، وجملة سمعوا في محل جر بإضافة الظرف إليها، والواو فاعل، وما اسم موصول في محل نصب مفعول به، وجملة أنزل لا محل لها لأنها صلة الموصول، والى الرسول متعلقان بأنزل {تَرى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ} الجملة لا محلّ لها لأنها جواب شرط غير جازم، وترى فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر تقديره أنت، وأعينهم مفعول ترى البصرية، وجملة تفيض حالية، ومن الدمع جار ومجرور في محل نصب على التمييز، وسيأتي المزيد من بيان هذا الاعراب في باب البلاغة {مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ} الجار والمجرور متعلقان بتفيض، وجملة عرفوا صلة الموصول، ومن الحق جار ومجرور متعلقان بمحذوف حال {يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ} جملة يقولون في محل نصب حال من الضمير في {عرفوا} وهو الواو، أو من الضمير المجرور في {أعينهم}، وجاز مجيء الحال من المضاف اليه لأن المضاف جزؤه، ويجوز أن تكون مستأنفة مسوقة لجواب سؤال مقدر، كأنه قيل: فما حالهم عند سماع القرآن؟ وربنا منادى مضاف، وآمنا فعل وفاعل، والجملة في محل نصب مقول القول، فاكتبنا الفاء استئنافية واكتبنا فعل أمر ومفعول به، والفاعل مستتر، ومع الشاهدين ظرف متعلق باكتبنا {وَما لَنا لا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَما جاءَنا مِنَ الْحَقِّ} الواو استئنافية، وما اسم استفهام في محل رفع مبتدأ، ولنا متعلقان بمحذوف خبر، وجملة لا نؤمن باللّه في محل نصب على الحال، وباللّه متعلقان بنؤمن، وما عطف على اللّه، وجملة جاءنا لا محل لها لأنها صلة، ومن الحق متعلقان بمحذوف حال {وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنا رَبُّنا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ} الواو عاطفة ونطمع فعل مضارع، وفاعله نحن، وأن وما بعدها في تأويل مصدر منصوب بنزع الخافض، والجار والمجرور متعلقان بنطمع، وربنا فاعل، ومع القوم الصالحين الظرف متعلق بيدخلنا، والجملة كلها معطوفة على جملة نؤمن، ويجوز أن تكون الواو حالية والجملة نصب على الحال.

.البلاغة:

1- المجاز في فيض الأعين، والعلاقة هي الامتلاء.
2- المبالغة في التمييز، وهي من أبلغ التراكيب، لأن الترقية فيه تترقى ثلاث مراتب، فالأولى فاض دمع عينه، والثانية في تحويل الفاعل تمييزا، والثالثة في إبراز التمييز في صورة التعليل، فأفاد إلى جانب التمييز التعليل، وإنما كان الكلام مع التعليل أبعد عن الأصل منه مع التمييز، لأن التمييز في مثله قد استقرّ كونه فاعلا في الأصل، في مثل: طاب محمد نفسا، واشتعل الرأس شيبا، فإذا قلت: فاضت عينه دمعا، فهم هذا الأصل مع العادة في أمثاله، وأما التعليل فلم يعهد فيه ذلك.